سورة الأعلى - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعلى)


        


{ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: للمفسرين فيه وجهان:
أحدهما: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه، كما قال: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] وهذا على مذهب العرب تقول للمبتلى بالبلاء الشديد لا هو حي ولا هو ميت وثانيهما: معناه أن نفس أحدهم في النار تصير في حلقه فلا تخرج فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.
المسألة الثانية: إنما قيل: {ثُمَّ} لأن هذه الحالة أفظع وأعظم من الصلى فهو متراخ عنه في مراتب الشدة.
أما قوله تعالى:


{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)}
ففيه وجهان:
أحدهما: أنه تعالى لما ذكر وعيد من أعرض عن النظر والتأمل في دلائل الله تعالى، أتبعه بالوعد لمن تزكى ويطهر من دنس الشرك وثانيهما: وهو قول الزجاج: تكثر من التقوى لأن معنى الزاكي النامي الكثير، وهذا الوجه معتضد بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون * الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} [المؤمنون: 1-2] أثبت الفلاح للمستجمعين لتلك الخصال وكذلك قوله تعالى في أول البقرة: {وأولئك هُمُ المفلحون} [البقرة: 5] وأما الوجه الأول فإنه معتضد بوجهين:
الأول: أنه تعالى لما لم يذكر في الآية ما يجب التزكي عنه علمنا أن المراد هو التزكي عما مر ذكره قبل الآية، وذلك هو الكفر، فعلمنا أن المراد هاهنا: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} عن الكفر الذي مر ذكره قبل هذه الآية والثاني: أن الاسم المطلق ينصرف إلى المسمى الكامل، وأكمل أنواع التزكية هو تزكية القلب عن ظلمة الكفر فوجب صرف هذا المطلق إليه، ويتأكد هذا التأويل بما روي عن ابن عباس أنه قال معنى: {تزكى} قول: لا إله إلا الله.
أما قوله تعالى:


{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}
ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكر المفسرون فيه وجوهاً:
أحدها: قال ابن عباس: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له.
وأقول: هذا التفسير متعين وذلك لأن مراتب أعمال المكلف ثلاثة أولها: إزالة العقائد الفاسدة عن القلب.
وثانيها: استحضار معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأسمائه.
وثالثها: الاشتغال بخدمته.
فالمرتبة الأولى: هي المراد بالتزكية في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} [الأعلى: 14].
وثانيها: هي المراد بقوله: {وَذَكَرَ اسم رَبّهِ} فإن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة.
وثالثها: الخدمة وهي المراد بقوله: {فصلى} فإن الصلاة عبارة عن التواضع والخشوع فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله تعالى وكبريائه، لابد وأن يظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخضوع والخشوع.
وثانيها: قال قوم من المفسرين قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} يعني من تصدق قبل مروره إلى العيد: {وَذَكَرَ اسم رَبّهِ فصلى} يعني ثم صلى صلاة العيد بعد ذلك مع الإمام.
وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن سيرين وابن عمر وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التفسير فيه إشكال من وجهين:
الأول: أن عادة الله تعالى في القرآن تقديم ذكر الصلاة على ذكر الزكاة لا تقديم الزكاة على الصلاة والثاني: قال الثعلبي: هذه السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. أجاب الواحدي عنه بأنه لا يمتنع أن يقال: لما كان في معلوم الله تعالى أن ذلك سيكون أثنى على من فعل ذلك.
وثالثها: قال مقاتل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} [الأعلى: 14] أي تصدق من ماله وذكر ربه بالتوحيد في الصلاة فصلى له، والفرق بين هذا الوجه وما قبله أن هذا يتناول الزكاة والصلاة المفروضتين، والوجه الأول ليس كذلك.
ورابعها: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} ليس المراد منه زكاة المال بل زكاة الأعمال أي من تطهر في أعماله من الرياء والتقصير، لأن اللفظ المعتاد أن يقال: في المال زكى ولا يقال تزكى قال تعالى: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18].
وخامسها: قال ابن عباس: {وَذَكَرَ اسم رَبّهِ} أي كبر في خروجه إلى العيد وصلى صلاة العيد.
وسادسها: المعنى وذكر اسم ربه في صلاته ولا تكون صلاته كصلاة المنافقين حيث يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً.
المسألة الثانية: الفقهاء احتجوا بهذه الآية على وجوب تكبيرة الافتتاح، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بها على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة، قال: لأن الصلاة معطوفة عليها والعطف يستدعي المغايرة، واحتج أيضاً بهذه الآية على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه وأجاب أصحابنا بأن تقدير الآية، وصلى فذكر اسم ربه ولا فرق بين أن تقول أكرمتني فزرتني وبين أن تقول زرتني فأكرمتني، ولأبي حنيفة أن يقول: ترك العمل بفاء التعقيب لا يجوز من غير دليل والأولى في الجواب أن يقال: الآية تدل على مدح كل من ذكر اسم الله فصلى عقيبه وليس في الآية بيان أن ذلك الذكر هو تكبيرة الافتتاح. فلعل المراد به أن من ذكر الله بقلبه وذكر ثوابه وعقابه دعاه ذلك إلى فعل الصلاة، فحينئذ يأتي بالصلاة التي أحد أجزائها التكبير، وحينئذ يندفع الاستدلال. ثم قال تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5